الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله (باب الدعاء نصف الليل) أي بيان فضل الدعاء في ذلك الوقت على غيره إلى طلوع الفجر، قال ابن بطال: هو وقت شريف، خصه الله بالتنزيل فيه، فيتفضل على عباده بإجابة دعائهم، وإعطاء سؤلهم، وغفران ذنوبهم، وهو وقت غفلة وخلوة واستغراق في النوم واستلذاذ له، ومفارقة اللذة والدعة صعب، لا سيما أهل الرفاهية وفي زمن البرد. وكذا أهل التعب ولا سيما في قصر الليل، فمن آثر القيام لمناجاة ربه والتضرع إليه مع ذلك دل على خلوص نيته وصحة رغبته فيما عند ربه، فلذلك نبه الله عباده على الدعاء في هذا الوقت الذي تخلو فيه النفس من خواطر الدنيا وعلقها، ليستشعر العبد الجد والإخلاص لربه. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ الشرح: قوله (يتنزل ربنا) كذا للأكثر هنا بوزن يتفعل مشددا، وللنسفي والكشميهني " ينزل " بفتح أوله وسكون ثانيه وكسر الزاي. قوله (حين يبقى ثلث الليل) قال ابن بطال: ترجم بنصف الليل وساق في الحديث أن التنزل يقع ثلث الليل، لكن المصنف عول على ما في الآية وهي قوله تعالى وقال الكرماني: لفظ الخبر " حين يبقى ثلث الليل " وذلك يقع في النصف الثاني انتهى. والذي يظهر لي أن البخاري جرى على عادته فأشار إلى الرواية التي وردت بلفظ النصف، فقد أخرجه أحمد عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمر، وعن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ " ينزل الله إلى السماء الدنيا نصف الليل الأخير أو ثلث الليل الآخر " وأخرجه الدار قطني في كتاب الرؤيا من رواية عبيد الله العمري عن سعيد المقبري عن أبي هريرة نحوه، ومن طريق حبيب بن أبي ثابت عن الأغر عن أبي هريرة بلفظ " شطر الليل " من غير تردد، وسأستوعب ألفاظه في التوحيد إن شاء الله تعالى. وقال أيضا: النزول محال على الله لأن حقيقته الحركة من جهة العلو إلى السفل، وقد دلت البراهين القاطعة على تنزيهه على ذلك فليتأول ذلك بأن المراد نزول ملك الرحمة ونحوه أو يفوض مع اعتقاد التنزيه، وقد تقدم شرح الحديث في الصلاة في " باب الدعاء في الصلاة من آخر الليل " من أبواب التهجد؛ ويأتي ما بقي منه في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى. *3* الشرح: قوله (باب الدعاء عند الخلاء) أي عند إرادة الدخول. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ الشرح: حديث أنس وقد تقدم شرحه في كتاب الطهارة، وفيه ذكر من رواه بلفظ " إذا أراد أن يدخل". *3* الشرح: قوله (باب ما يقول إذا أصبح) ذكر فيه ثلاثة أحاديث. وقد ورد فيما يقال عند الصباح عدة أحاديث: منها حديث أنس رفعه " من قال حين يصبح: اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك، أعتق الله ربي من النار، ومن قالها مرتين أعتق الله نصفه من النار " الحديث رواه الثلاثة وحسنه الترمذي. وحديث أبي سلام عمن خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعه " من قال إذا أصبح وإذا أمسى: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا إلا كان حقا على الله أن يرضيه " أخرجه أبو داود وسنده قوي. وهو عند الترمذي بنحوه من حديث ثوبان بسند ضعيف، وحديث عبد الله بن غنام البياضي رفعه " من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر، فقد أدى شكر يومه " الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان، وحديث أنس " قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة: ما منعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح في شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين " أخرجه النسائي والبزار. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ إِذَا قَالَ حِينَ يُمْسِي فَمَاتَ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِذَا قَالَ حِينَ يُصْبِحُ فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ مِثْلَهُ الشرح: حديث شداد بن أوس قد تقدم شرحه قريبا في " باب أفضل الاستغفار". الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَالَ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ أَمُوتُ وَأَحْيَا وَإِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ الشرح: حديث حذيفة قد تقدم شرحه بعد ذلك في " باب ما يقول إذا نام". الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الحُرِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنْ اللَّيْلِ قَالَ اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا فَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ الشرح: حديث أبي ذر وهو بلفظ حذيفة سواء من مخرجه، فإنه من طريق أبي حمزة وهو السكري عن منصور وهو ابن المعتمر عن ربعي بن حراش عن خرشة بفتح المعجمة والراء ثم شين معجمة ثم هاء تأنيث ابن الحر بضم المهملة ضد العبد عن أبي ذر، وحديث حذيفة هو من طريق عبد الملك بن عمير عن ربعي عنه، فكأنه وضح للبخاري أن لربعي فيه طريقين، وكأن مسلما أعرض عن حديث أبي ذر من أجل هذا الاختلاف، وقد وافق أبا حمزة على هذا الإسناد شيبان النحوي أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في المستخرجين من طريقه، وهذا الموضع مما كان للدار قطني ذكره في التتبع. *3* الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي قَالَ قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ إِنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص " عن أبي بكر الصديق أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم علمني دعاء أدعو به في صلاتي " وقد تقدم الكلام عليه في " باب الدعاء قبيل السلام " في أواخر صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة بما فيه كفاية. قوله (وقال عمرو) هو ابن الحارث (عن يزيد) هو ابن أبي حبيب وهو المذكور في السند الأول، وأبو الخير هو مرثد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء مهملة. قوله (قال أبو بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم) وصله في التوحيد من رواية عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث ولفظه " أن أبا بكر قال: يا رسول الله " وقد بينت ذلك في شرحه. قال الطبري: في حديث أبي بكر دلالة على رد قول من زعم أنه لا يستحق اسم الإيمان إلا من لا خطيئة له ولا ذنب، لأن الصديق من أكبر أهل الإيمان. وقد علمه النبي صلى الله عليه وسلم يقول " إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت". وقال الكرماني: هذا الدعاء من الجوامع، لأن فيه الاعتراف بغاية التقصير وطلب غاية الإنعام، فالمغفرة ستر الذنوب ومحوها، والرحمة إيصال الخيرات، ففي الأول طلب الزحزحة عن النار وفي الثاني طلب إدخال الجنة وهذا هو الفوز العظيم. وقال ابن أبي حمزة ما ملخصه: في الحديث مشروعية الدعاء في الصلاة، وفضل الدعاء المذكور على غيره، وطلب التعليم من الأعلى وإن كان الطالب يعرف ذلك النوع، وخص الدعاء بالصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد " وفيه أن المرء ينظر في عبادته إلى الأرفع فيتسبب في تحصيله. وفي تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر هذا الدعاء إشارة إلى إيثار أمر الآخرة على أمر الدنيا، ولعله فهم ذلك من حال أبي بكر وإيثاره أمر الآخرة قال: وفي قوله " ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت " أي ليس لي حيلة في دفعه فهي حالة افتقار، فأشبه حال المضطر الموعود بالإجابة، وفيه هضم النفس والاعتراف بالتقصير، وتقدمت بقية فوائده هناك. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ سُعَيْرٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا أُنْزِلَتْ فِي الدُّعَاءِ الشرح: حديث عائشة في قوله تعالى الحديث: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إِلَى قَوْلِهِ الصَّالِحِينَ فَإِذَا قَالَهَا أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ صَالِحٍ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الثَّنَاءِ مَا شَاءَ الشرح: حديث عبد الله وهو ابن مسعود في التشهد، وقد تقدم شرحه في أواخر صفة الصلاة، وأخذ الترجمة من هذه الأحاديث إلا أن الأول نص في المطلوب، والثاني يستفاد منه صفة من صفات الداعي وهي عدم الجهر والمخافتة فيسمع نفسه ولا يسمع غيره، وقيل للدعاء صلاة لأنها لا تكون إلا بدعاء فهو من تسمية بعض الشيء باسم كله. والثالث فيه الأمر بالدعاء في التشهد وهو من جملة الصلاة، والمراد بالثناء الدعاء، فقد تقدم في باب التشهد بلفظ " فليتخير من الدعاء ما شاء". وقد ورد الأمر بالدعاء في السجود في حديث أبي هريرة رفعه " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء " وورد الأمر أيضا بالدعاء في التشهد في حديث أبي هريرة وفي حديث فضالة بن عبيد عند أبي داود والترمذي وصححه، وفيه أنه أمر رجلا بعد التشهد أن يثنى على الله بما هو أهله ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بما شاء، ومحصل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من المواضع التي كان يدعو فيها داخل الصلاة ستة مواطن: الأول عقب تكبيرة الإحرام ففيه حديث أبي هريرة في الصحيحين " اللهم باعد بيني وبين خطاياي " الحديث الثاني في الاعتدال ففيه حديث ابن أبي أوفى عند مسلم أنه كان يقول بعد قوله من شيء بعد " اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد". الثالث في الركوع وفيه حديث عائشة " كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي " أخرجاه. الرابع في السجود وهو أكثر ما كان يدعو فيه وقد أمر به فيه. الخامس بين السجدتين " اللهم اغفر لي " السادس في التشهد وسيأتي، وكان أيضا يدعو في القنوت وفي حال القراءة إذا مر بآية رحمة سأل، وإذا مر بآية عذاب استعاذ. *3* الشرح: قوله (باب الدعاء بعد الصلاة) أي المكتوبة، وفي هذه الترجمة رد على من زعم أن الدعاء بعد الصلاة لا يشرع، متمسكا بالحديث الذي أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن الحارث عن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم " إذا سلم لا يثبت إلا قدر ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام". والجواب أن المراد بالنفي المذكور نفي استمراره جالسا على هيئته قبل السلام إلا بقدر أن يقول ما ذكر، فقد ثبت أنه " كان إذا صلى أقبل على أصحابه " فيحمل ما ورد من الدعاء بعد الصلاة على أنه كان يقوله بعد أن يقبل بوجهه على أصحابه. قال ابن القيم في " الهدي النبوي ": وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة سواء الإمام والمنفرد والمأموم فلم يكن ذلك من هدى النبي صلى الله عليه وسلم أصلا، ولا روي عنه بإسناد صحيح ولا حسن، وخص بعضهم ذلك بصلاتي الفجر والعصر، ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء بعده ولا أرشد إليه أمته، وإنما هو استحسان رآه من رآه عوضا من السنة بعدهما، قال: وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها فيها وأمر بها فيها، قال، وهذا اللائق بحال المصلي، فإنه مقبل على ربه مناجيه، فإذا سلم منها انقطعت المناجاة وانتهى موقفه وقربه، فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه وهو مقبل عليه ثم يسأل إذا انصرف عنه؟ ثم قال: لكن الأذكار الواردة بعد المكتوبة يستحب لمن أتى بها أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن يفرغ منها ويدعو بما شاء، ويكون دعاؤه عقب هذه العبادة الثانية وهي الذكر لا لكونه دبر المكتوبة. قلت: وما ادعاه من النفي مطلقا مردود، فقد ثبت عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له " يا معاذ إني والله لأحبك، فلا تدع دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم، وحديث أبي بكرة في قول " اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر، كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهن دبر كل صلاة " أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وصححه الحاكم، وحديث سعد الآتي في " باب التعوذ من البخل " قريبا، فإن في بعض طرقه المطلوب. وحديث زيد بن أرقم " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في دبر كل صلاة: اللهم ربنا ورب كل شيء " الحديث أخرجه أبو داود والنسائي، وحديث صهيب رفعه " كان يقول إذا انصرف من الصلاة: اللهم أصلح لي ديني " الحديث أخرجه النسائي وصححه ابن حبان وغير ذلك. فإن قيل: المراد بدبر كل صلاة قرب آخرها وهو التشهد، قلنا قد ورد الأمر بالذكر دبر كل صلاة، والمراد به بعد السلام إجماعا، فكذا هذا حتى يثبت ما يخالفه. وقد أخرج الترمذي من حديث أبي أمامة " قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات " وقال حسن. وأخرج الطبري من رواية جعفر بن محمد الصادق قال " الدعاء بعد المكتوبة أفضل من الدعاء بعد النافلة كفضل المكتوبة على النافلة " وفهم كثير ممن لقيناه من الحنابلة أن مراد ابن القيم نفي الدعاء بعد الصلاة مطلقا، وليس كذلك فإن حاصل كلامه أنه نفاه بقيد استمرار استقبال المصلي القبلة وإيراده بعد السلام، وأما إذا انتقل بوجهه أو قدم الأذكار المشروعة فلا يمتنع عنده الإتيان بالدعاء حينئذ. ثم ذكر المصنف حديث أبي هريرة في التسبيح بعد الصلاة، وحديث المغيرة في قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وقد ترجم في أواخر الصلاة " باب الذكر بعد التشهد " وأورد فيه هذين الحديثين، وتقدم شرحهما هناك مستوفي، ومناسبة هذه الترجمة لهما أن الذاكر يحصل له ما يحصل للداعي إذا شغله الذكر عن الطلب كما في حديث ابن عمر رفعه " يقول الله تعالى من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين " أخرجه الطبراني بسند لين، وحديث أبي سعيد بلفظ " من شغله القرآن وذكرى عن مسألتي " الحديث أخرجه الترمذي وحسنه. الحديث: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ أَخْبَرَنَا وَرْقَاءُ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ قَالَ كَيْفَ ذَاكَ قَالُوا صَلَّوْا كَمَا صَلَّيْنَا وَجَاهَدُوا كَمَا جَاهَدْنَا وَأَنْفَقُوا مِنْ فُضُولِ أَمْوَالِهِمْ وَلَيْسَتْ لَنَا أَمْوَالٌ قَالَ أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَمْرٍ تُدْرِكُونَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَتَسْبِقُونَ مَنْ جَاءَ بَعْدَكُمْ وَلَا يَأْتِي أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا جِئْتُمْ بِهِ إِلَّا مَنْ جَاءَ بِمِثْلِهِ تُسَبِّحُونَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا وَتَحْمَدُونَ عَشْرًا وَتُكَبِّرُونَ عَشْرًا تَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ سُمَيٍّ وَرَوَاهُ ابْنُ عَجْلَانَ عَنْ سُمَيٍّ وَرَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ وَرَوَاهُ جَرِيرٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَرَوَاهُ سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: وقوله "حدثنا إسحاق " هو ابن راهويه أو ابن منصور، ويزيد هو ابن هارون، وورقاء هو ابن عمر اليشكري، وسمي هو مولى أبي صالح. قوله (تابعه عبيد الله بن عمر) هو العمري (عن سمي) يعني في إسناده، وفي أصل الحديث لا في العدد المذكور، وقد بينت هناك عند شرحه أن ورقاء خالف غيره في قوله عشرا وإن الكل قالوا " ثلاثا وثلاثين " وأن منهم من قال المجموع هذا القدر. قلت: قد ورد بالذكر العشر في حديث عبد الله بن عمرو وجماعة، وحديث عبيد الله بن عمر تقدم موصولا هناك، وأغرب الكرماني فقال لما جاء هناك بلفظ الدرجات فقيدها بالعلا وقيد أيضا زيادة في الأعمال من الصوم والحج والعمرة زاد في عدة الأذكار، يعني ولما خلت هذه الرواية من ذلك نقص العدد، ثم قال: على أن مفهوم العدد لا اعتبار به انتهى. وكلا الجوابين متعقب: أما الأول فمخرج الحديثين واحد وهو من رواية سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة، وإنما اختلف الرواة عنه في العدد المذكور في الزيادة والنقص، فإن أمكن الجمع وإلا فيؤخذ بالراجح. فإن استووا فالذي حفظ الزيادة مقدم. وأظن سبب الوهم أنه وقع في رواية ابن عجلان " يسبحون ويكبرون ويحمدون في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة " فحمله بعضهم على أن العدد المذكور مقسوم على الأذكار الثلاثة فروى الحديث بلفظ إحدى عشرة، وألغى بعضهم الكسر فقال عشر والله أعلم. وأما الثاني فمرتب على الأول، وهو لائق بما إذا اختلف مخارج الحديث أما إذا اتحد المخرج فهو من تصرف الرواة، فإذا أمكن الجمع وإلا فالترجيح. قوله (ورواه ابن عجلان عن سمي ورجاء بن حيوة) وصله مسلم قال " حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن عجلان " فذكره مقرونا برواية عبيد الله بن عمر كلاهما عن سمي عن أبي صالح به وفي آخره " قال ابن عجلان: فحدثت به رجاء بن حيوة فحدثني بمثله عن أبي صالح عن أبي هريرة " ووصله الطبراني من طريق حيوة بن شريح عن محمد بن عجلان عن رجاء بن حيوة وسمي كلاهما عن أبي صالح به وفيه " تسبحون الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمدونه ثلاثا وثلاثين وتكبرونه أربعا وثلاثين " وقال في " الأوسط " لم يروه عن رجاء إلا ابن عجلان. قوله (ورواه جرير) يعني ابن عبد الحميد (عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي الدرداء) وصله أبو يعلى في مسنده والإسماعيلي عنه عن أبي خيثمة عن جرير، ووصله النسائي من حديث جرير بهذا وفيه مثل ما في رواية ابن عجلان من تربيع التكبير، وفي سماع أبي صالح من أبي الدرداء نظر، وقد بين النسائي الاختلاف فيه على عبد العزيز بن رفيع فأخرجه من رواية الثوري عنه عن أبي عمر الضبي عن أبي الدرداء، وكذا رواه شريك عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي عمر لكن زاد أم الدرداء بين أبي الدرداء وبين أبي عمر أخرجه النسائي أيضا، ولم يوافق شريك على هذه الزيادة فقد أخرجه النسائي أيضا من رواية شعبة عن الحكم عن أبي عمر عن أبي الدرداء، ومن رواية زيد بن أبي أنيسة عن الحكم لكن قال " عن عمر الضبي " فإن كان اسم أبي عمر عمر اتفقت الروايتان، لكن جزم الدار قطني بأنه لا يعرف اسمه فكأنه تحرف على الراوي والله أعلم. قوله (ورواه سهيل عن أبيه عن أبي هريرة) وصله مسلم من رواية روح بن القاسم عن سهيل فساق الحديث بطوله لكن قال فيه " تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، قال سهيل: إحدى عشرة وإحدى عشرة وإحدى عشرة فذلك كله ثلاث وثلاثون " وأخرجه النسائي من رواية الليث عن ابن عجلان عن سهيل بهذا السند بغير قصة، ولفظ آخر قال فيه " من قال خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين تكبيرة وثلاثا وثلاثين تسبيحة وثلاثا وثلاثين تحميدة ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعني تمام المائة غفرت له خطاياه " أخرجه النسائي، وأخرجه أيضا من وجه آخر عن الليث عن ابن عجلان عن سهيل عن عطاء بن يزيد عن بعض الصحابة، ومن طريق زيد بن أبي أنيسة عن سهيل عن أبي عبيد عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة، وهذا اختلاف شديد على سهيل، والمعتمد في ذلك رواية سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة والله أعلم. ورواية أبي عبيد عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة أخرجها مالك في الموطأ لكن لم يرفعه، وأوردها مسلم من طريق خالد بن عبد الله وإسماعيل بن زكريا كلاهما عن سهيل عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كَتَبَ الْمُغِيرَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا سَلَّمَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ سَمِعْتُ الْمُسَيَّبَ الشرح: قوله في حديث المغيرة (جرير) هو ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر. قوله (في دبر كل صلاة) في رواية الحموي والمستملي " في دبر صلاته". قوله (وقال شعبة عن منصور قال سمعت المسيب) يعني ابن رافع بالسند المذكور وصله أحمد عن محمد ابن جعفر حدثنا شعبة به ولفظه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له " الحديث قال ابن بطال: في هذه الأحاديث الحض على الذكر في أدبار الصلوات " وأن ذلك يوازي إنفاق المال في طاعة الله لقوله " تدركون به من سبقكم " وسئل الأوزاعي هل الذكر بعد الصلاة أفضل أم تلاوة القرآن؟ فقال: ليس شيء يعدل القرآن، ولكن كان هدى السلف الذكر. وفيها أن الذكر المذكور يلي الصلاة المكتوبة ولا يؤخر إلى أن يصلي الراتبة لما تقدم، والله أعلم. *3* وَقَالَ أَبُو مُوسَى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ الشرح: قوله (باب قول الله تبارك وتعالى: وصل عليهم) كذا للجمهور، ووقع في بعض النسخ زيادة: إن صلواتك سكن لهم، واتفقوا على أن المراد بالصلاة هنا الدعاء، وثالث أحاديث الباب يفسر ذلك، وتقدم في السورة قريبا من هذه الآية قوله تعالى قوله (ومن خص أخاه بالدعاء دون نفسه) في هذه الترجمة إشارة إلى رد ما جاء عن ابن عمر: أخرج ابن أبي شيبة والطبري من طريق سعيد بن يسار قال: ذكرت رجلا عند ابن عمر فترحمت عليه فلهز في صدري وقال لي: ابدأ بنفسك. وعن إبراهيم النخعي: كان يقال إذا دعوت فابدأ بنفسك، فإنك لا تدري في أي دعاء يستجاب لك. وأحاديث الباب ترد على ذلك، ويؤيدها ما أخرجه مسلم وأبو داود من طريق طلحة بن عبد الله ابن كريز عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رفعه " ما من مسلم يدعو لأخيه ظهر الغيب إلا قال، الملك: ولك مثل ذلك " وأخرج الطبري من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رفعه " خمس دعوات مستجابات " وذكر فيها " ودعوة الأخ لأخيه " وأخرجه أيضا، هكذا استدل بهما ابن بطال، وفيه نظر لأن الدعاء لظهر الغيب ودعاء الأخ لأخيه أعم من أن يكون الداعي خصه أو ذكر نفسه معه، وأعم من أن يكون بدأ به أو بدأ بنفسه وأما ما أخرجه الترمذي من حديث أبي بن كعب رفعه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه " وهو عند مسلم في أول قصة موسى والخضر ولفظه " وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه " ويؤيد هذا القيد أنه صلى الله عليه وسلم دعا لغير نبي فلم يبدأ بنفسه كقوله في قصة هاجر الماضية في المناقب " يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عينا معينا " وقد تقدم حديث أبي هريرة " اللهم أيده بروح القدس " يريد حسان بن ثابت وحديث ابن عباس " اللهم فقهه في الدين " وغير ذلك من الأمثلة، مع أن الذي جاء في حديث أبي لم يطرد فقد ثبت أنه دعا لبعض الأنبياء فلم يبدأ بنفسه كما مر في المناقب من حديث أبي هريرة " يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد " وقد أشار المصنف إلى الأول بسادس أحاديث الباب، وإلى الثاني بالذي بعده. وذكر المصنف فيه سبعة أحاديث: قوله (وقال أبو موسى قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لعبيد أبي عامر، اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه) هذا طرف من حديث لأبي موسى تقدم بطوله موصولا في غزوة أوطاس من المغازي، وفيه قصة قتل أبي عامر وهو عم أبي موسى الأشعري، وفيه قول أبي موسى للنبي صلى الله عليه وسلم " أن أبا عامر قال له: قل للنبي صلى الله عليه وسلم استغفر لي، قال فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال: اللهم اغفر لعبيد أبي عامر " وفيه " فقلت: ولي فاستغفر، فقال: اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما". الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى سَلَمَةَ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ أَيَا عَامِرُ لَوْ أَسْمَعْتَنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ فَنَزَلَ يَحْدُو بِهِمْ يُذَكِّرُ تَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا وَذَكَرَ شِعْرًا غَيْرَ هَذَا وَلَكِنِّي لَمْ أَحْفَظْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذَا السَّائِقُ قَالُوا عَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ قَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْلَا مَتَّعْتَنَا بِهِ فَلَمَّا صَافَّ الْقَوْمَ قَاتَلُوهُمْ فَأُصِيبَ عَامِرٌ بِقَائِمَةِ سَيْفِ نَفْسِهِ فَمَاتَ فَلَمَّا أَمْسَوْا أَوْقَدُوا نَارًا كَثِيرَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هَذِهِ النَّارُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ قَالُوا عَلَى حُمُرٍ إِنْسِيَّةٍ فَقَالَ أَهْرِيقُوا مَا فِيهَا وَكَسِّرُوهَا قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نُهَرِيقُ مَا فِيهَا وَنَغْسِلُهَا قَالَ أَوْ ذَاكَ الشرح: قوله (يحيى) هو ابن سعيد القطان. قوله (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فقال رجل من القوم) هو عمر بن الخطاب، وعامر هو ابن الأكوع عم سلمة راوي الحديث، وقد تقدم بيان ذلك كله في غزوة خيبر من كتاب المغازي، وسبب قول عمر " لولا متعتنا به " وأن ذلك ورد مصرحا به في صحيح مسلم، وأما ابن عبد البر فأورده مورد الاستقراء فقال " كانوا عرفوا أنه ما استرحم لإنسان قط في غزاة تخصه إلا استشهد، فلذا قال عمر لولا أمتعتنا بعامر " قوله (وذكر شعرا غير هذا ولكني لم أحفظه) تقدم بيانه في المكان المذكور من طريق حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد، ويعرف منه أن القائل " وذكر شعرا " هو يحيى بن سعيد راويه، وأن الذاكر هو يزيد بن أبي عبيد. وقوله "من هناتك " بفتح الهاء والنون جمع هنة، ويروى " هنيهاتك، وهنياتك " والمراد الأراجيز القصار، وتقدم شرح الحديث مستوفى هناك. قوله (فلما أمسوا أوقدوا نارا كثيرة) الحديث في قصة الحمر الأهلية في رواية حاتم بن إسماعيل " فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم فيه " يعني خيبر وذكر الحديث بطوله وقد تقدم شرحه. الحديث: حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو هُوَ ابْنُ مُرَّةَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ رَجُلٌ بِصَدَقَةٍ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ فَأَتَاهُ أَبِي فَقَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى الشرح: قوله (حدثنا مسلم) هو ابن إبراهيم، وعمرو شيخ شعبة فيه هو ابن مرة، وابن أبي أوفى هو عبد الله. قوله (صل على آل أبي أوفى) أي عليه نفسه وقيل عليه وعلى أتباعه، وسيأتي الكلام في الصلاة على غير الأنبياء بعد ثلاثة عشر بابا. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ جَرِيرًا قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ وَهُوَ نُصُبٌ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ يُسَمَّى الْكَعْبَةَ الْيَمَانِيَةَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَصَكَّ فِي صَدْرِي فَقَالَ اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا قَالَ فَخَرَجْتُ فِي خَمْسِينَ فَارِسًا مِنْ أَحْمَسَ مِنْ قَوْمِي وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ فَانْطَلَقْتُ فِي عُصْبَةٍ مِنْ قَوْمِي فَأَتَيْتُهَا فَأَحْرَقْتُهَا ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا أَتَيْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا مِثْلَ الْجَمَلِ الْأَجْرَبِ فَدَعَا لِأَحْمَسَ وَخَيْلِهَا الشرح: قوله في حديث جرير وهو ابن عبد الله البجلي (وهو نصب) بضم النون وبصاد مهملة ثم موحدة هو الصنم، وقد تقدم بيان ذلك في تفسير سورة سأل، وقوله يسمى " الكعبة اليمانية " في رواية الكشميهني " كعبة اليمانية " وهي لغة وقوله " فخرجت في خمسين من قومي " في رواية الكشميهني " فارسا " والقائل (وربما قال سفيان) هو علي بن عبد الله شيخ البخاري فيه، وسفيان هو ابن عيينة، وقد تقدم شرح هذا الحديث في أواخر المغازي. الحديث: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَسٌ خَادِمُكَ قَالَ اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ الشرح: في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأنس أن يكثر ماله وولده، وسيأتي شرحه قريبا بعد ثمانية وعشرين بابا، وقد بين مسلم - في رواية سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس - أن ذلك كان في آخر دعائه لأنس ولفظه " فقالت أمي يا رسول الله خويدمك ادع الله له، فدعا لي بكل خير، وكان في دعائه أن قال " فذكره. قال الداودي هذا يدل على بطلان الحديث الذي ورد " اللهم من آمن بي وصدق ما جئت به فأقلل له من المال والولد " الحديث قال: وكيف يصح ذلك وهو صلى الله عليه وسلم يخص على النكاح والتماس الولد. قلت: لا منافاة بينهما لاحتمال أن يكون ورد في حصول الأمرين معا، لكن يعكر عليه حديث الباب فيقال: كيف دعا لأنس وهو خادمه بما كرهه لغيره، ويحتمل أن يكون مع دعائه له بذلك قرنه بأن لا يناله مر قبل ذلك ضرر، لأن المعنى في كراهية اجتماع كثرة المال والولد إنما هو لما يخشى من ذلك من الفتنة بهما، والفتنة لا يؤمن معها الهلكة. الحديث: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً أَسْقَطْتُهَا فِي سُورَةِ كَذَا وَكَذَا الشرح: قوله (عبدة) هو ابن سليمان. قوله (رجلا يقرأ في المسجد) هو عباد بن بشر كما تقدم في الشهادات، وتقدم شرح المتن في فضائل القرآن. وقوله فيه " لقد أذكرني كذا وكذا آية " قال الجمهور: يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم أن ينسى شيئا من القرآن بعد التبليغ لكنه لا يقر عليه، وكذا يجوز أن ينسى ما لا يتعلق بالإبلاغ، ويدل عليه قوله تعالى الحديث: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ وَقَالَ يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ الشرح: قوله (سليمان) هو ابن مهران الأعمش. قوله (عن أبي وائل) هو شقيق بن سلمة وقد تقدم في الأدب من طريق حفص بن غياث عن الأعمش " سمعت شقيقا". قوله (فقال رجل) هو معتب بمهملة ثم مثناة ثقيلة ثم موحدة، أو حرقوص كما تقدم بيانه في غزوة حنين هناك، والمراد منه هنا قوله " يرحم الله موسى " فخصه بالدعاء فهو مطابق لأحد ركني الترجمة، وقوله "وجه الله " أي الإخلاص له. *3* الشرح: قوله (باب ما يكره من السجع في الدعاء) السجع بفتح المهملة وسكون الجيم بعدها عين مهملة هو موالاة الكلام على روي واحد، ومنه سجعت الحمامة إذا رددت صوتها، قاله ابن دريد. وقال الأزهري: هو الكلام المقفى من غير مراعاة وزن. الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ أَبُو حَبِيبٍ حَدَّثَنَا هَارُونُ الْمُقْرِئُ حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْخِرِّيتِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حَدِّثْ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فَإِنْ أَبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ فَإِنْ أَكْثَرْتَ فَثَلَاثَ مِرَارٍ وَلَا تُمِلَّ النَّاسَ هَذَا الْقُرْآنَ وَلَا أُلْفِيَنَّكَ تَأْتِي الْقَوْمَ وَهُمْ فِي حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ وَلَكِنْ أَنْصِتْ فَإِذَا أَمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ فَانْظُرْ السَّجْعَ مِنْ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ يَعْنِي لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ الشرح: قوله (هارون المقرئ) هو ابن موسى النحوي. قوله (حدثنا الزبير بن الخريت) بكسر المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة. قوله (حدث الناس كل جمعة مرة، فإن أبيت فمرتين) هذا إرشاد وقد بين حكمته. قوله (ولا تمل الناس هذا القرآن) هو بضم أول تمل من الرباعي، والملل والسآمة بمعنى، وهذا القرآن منصوب على المفعولية، وقد تقدم في كتاب العلم حديث ابن مسعود " كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة كراهة السامة علينا". قوله (فلا ألفينك) بضم الهمزة وبالفاء أي لا أجدنك، والنون مثقلة للتأكيد، وهذا النهي بحسب الظاهر للمتكلم، وهو في الحقيقة للمخاطب وهو كقولهم لا أرينك هاهنا. وفيه كراهة التحديث عند من لا يقبل عليه؛ والنهي عن قطع حديث غيره، وأنه لا ينبغي نشر العلم عند من لا يحرص عليه ويحدث من يشتهي بسماعه لأنه أجدر أن ينتفع به. قوله (فتملهم) يجوز في محله الرفع والنصب. قوله (وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه) أي لا تقصد إليه ولا تشغل فكرك به لما فيه من التكلف المانع للخشوع المطلوب في الدعاء. وقال ابن التين: المراد بالنهي المستكره منه. وقال الداودي الاستكثار منه. قوله (لا يفعلون إلا ذلك) أي ترك السجع. ووقع عند الإسماعيلي عن القاسم بن زكريا عن يحيى بن محمد شيخ البخاري بسنده فيه " لا يفعلون ذلك " بإسقاط إلا، وهو واضح، وكذا أخرجه البزار في مسنده عن يحيى والطبراني عن البزار، ولا يرد على ذلك ما وقع في الأحاديث الصحيحة لأن ذلك كان يصدر من غير قصد إليه ولأجل هذا يجيء في غاية الانسجام كقوله صلى الله عليه وسلم في الجهاد " اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، هازم الأحزاب " وكقوله صلى الله عليه وسلم "صدق وعده، وأعز جنده " الحديث وكقوله " أعوذ بك من عين لا تدمع، ونفس لا تشبع، وقلب لا يخشع " وكلها صحيحة. قال الغزالي: المكروه من السجع هو المتكلف لأنه لا يلائم الضراعة والذلة، وإلا ففي الأدعية المأثورة كلمات متوازية لكنها غير متكلفة، قال الأزهري: وإنما كرهه صلى الله عليه وسلم لمشاكلته كلام الكهنة كما في قصة المرأة من هذيل. وقال أبو زيد وغيره: أصل السجع القصد المستوى، سواء كان في الكلام أم غيره. *3* الشرح: قوله (باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له) المراد بالمسألة الدعاء، والضميران لله تعالى، أو الأول ضمير الشأن والثاني لله تعالى جزما. ومكره بضم أوله وكسر ثالثه. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ وَلَا يَقُولَنَّ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ الشرح: قوله (حدثنا إسماعيل) هو المعروف بابن علية، وعبد العزيز هو ابن صهيب، ونسب في رواية أبي زيد المروزي وغيره. قوله (فليعزم المسألة) في رواية أحمد عن إسماعيل المذكور " الدعاء " ومعنى الأمر بالعزم الجد فيه، وأن يجزم بوقوع مطلوبه ولا يعلق ذلك بمشيئة الله تعالى، وإن كان مأمورا في جميع ما يريد فعله أن يعلقه بمشيئة الله تعالى. وقيل: معنى العزم أن يحسن الظن بالله في الإجابة. قوله (ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني) في حديث أبي هريرة المذكور بعده " اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت " وزاد في رواية همام عن أبي هريرة الآتية في التوحيد " اللهم ارزقني إن شئت " وهذه كلها أمثلة، ورواية العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عند مسلم تتناول جميع ما يدعى به. ولمسلم من طريق عطاء بن ميناء عن أبي هريرة " ليعزم في الدعاء " وله من رواية العلاء " ليعزم وليعظم الرغبة " ومعنى قوله ليعظم الرغبة أي يبالغ في ذلك بتكرار الدعاء والإلحاح فيه، ويحتمل أن يراد به الأمر بطلب الشيء العظيم الكثير، ويؤيده ما في آخر هذه الرواية " فإن الله لا يتعاظمه شيء". قوله (فإنه لا مستكره له) في حديث أبي هريرة " فإنه لا مكره له " وهما بمعنى، والمراد أن الذي يحتاج إلى التعليق بالمشيئة ما إذا كان المطلوب منه يتأتى إكراهه على الشيء فيخفف الأمر عليه ويعلم بأنه لا يطلب منه ذلك الشيء إلا برضاه، وأما الله سبحانه فهو منزه عن ذلك فليس للتعليق فائدة. وقيل: المعنى أن فيه صورة الاستغناء عن المطلوب والمطلوب منه، والأول أولى. وقد وقع في رواية عطاء بن ميناء " فإن الله صانع ما شاء " وفي رواية العلاء " فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه " قال ابن عبد البر: لا يجوز لأحد أن يقول اللهم أعطني إن شئت وغير ذلك من أمور الدين والدنيا لأنه كلام مستحيل لا وجه له لأنه لا يفعل إلا ما شاءه، وظاهره أنه حمل النهي على التحريم، وهو الظاهر، وحمل النووي النهي في ذلك على كراهة التنزيه وهو أولى، ويؤيده ما سيأتي في حديث الاستخارة. قال ابن بطال: في الحديث أنه ينبغي للداعي أن يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء الإجابة، ولا يقنط من الرحمة فإنه يدعو كريما. وقد قال ابن عيينة: لا يمنعن أحدا الدعاء ما يعلم في نفسه - يعني من التقصير - فإن الله قد أجاب دعاء شر خلقه وهو إبليس حين قال (رب أنظرني إلى يوم يبعثون) وقال الداودي: معنى قوله " ليعزم المسألة " أن يجتهد ويلح ولا يقل إن شئت كالمستثنى، ولكن دعاء البائس الفقير. قلت: وكأنه أشار بقوله كالمستثنى إلى أنه إذا قالها على سبيل التبرك لا يكره وهو جيد. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ الشرح: قوله (حدثنا إسماعيل) هو المعروف بابن علية، وعبد العزيز هو ابن صهيب، ونسب في رواية أبي زيد المروزي وغيره. قوله (فليعزم المسألة) في رواية أحمد عن إسماعيل المذكور " الدعاء " ومعنى الأمر بالعزم الجد فيه، وأن يجزم بوقوع مطلوبه ولا يعلق ذلك بمشيئة الله تعالى، وإن كان مأمورا في جميع ما يريد فعله أن يعلقه بمشيئة الله تعالى. وقيل: معنى العزم أن يحسن الظن بالله في الإجابة. قوله (ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني) في حديث أبي هريرة المذكور بعده " اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت " وزاد في رواية همام عن أبي هريرة الآتية في التوحيد " اللهم ارزقني إن شئت " وهذه كلها أمثلة، ورواية العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عند مسلم تتناول جميع ما يدعى به. ولمسلم من طريق عطاء بن ميناء عن أبي هريرة " ليعزم في الدعاء " وله من رواية العلاء " ليعزم وليعظم الرغبة " ومعنى قوله ليعظم الرغبة أي يبالغ في ذلك بتكرار الدعاء والإلحاح فيه، ويحتمل أن يراد به الأمر بطلب الشيء العظيم الكثير، ويؤيده ما في آخر هذه الرواية " فإن الله لا يتعاظمه شيء". قوله (فإنه لا مستكره له) في حديث أبي هريرة " فإنه لا مكره له " وهما بمعنى، والمراد أن الذي يحتاج إلى التعليق بالمشيئة ما إذا كان المطلوب منه يتأتى إكراهه على الشيء فيخفف الأمر عليه ويعلم بأنه لا يطلب منه ذلك الشيء إلا برضاه، وأما الله سبحانه فهو منزه عن ذلك فليس للتعليق فائدة. وقيل: المعنى أن فيه صورة الاستغناء عن المطلوب والمطلوب منه، والأول أولى. وقد وقع في رواية عطاء بن ميناء " فإن الله صانع ما شاء " وفي رواية العلاء " فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه " قال ابن عبد البر: لا يجوز لأحد أن يقول اللهم أعطني إن شئت وغير ذلك من أمور الدين والدنيا لأنه كلام مستحيل لا وجه له لأنه لا يفعل إلا ما شاءه، وظاهره أنه حمل النهي على التحريم، وهو الظاهر، وحمل النووي النهي في ذلك على كراهة التنزيه وهو أولى، ويؤيده ما سيأتي في حديث الاستخارة. قال ابن بطال: في الحديث أنه ينبغي للداعي أن يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء الإجابة، ولا يقنط من الرحمة فإنه يدعو كريما. وقد قال ابن عيينة: لا يمنعن أحدا الدعاء ما يعلم في نفسه - يعني من التقصير - فإن الله قد أجاب دعاء شر خلقه وهو إبليس حين قال (رب أنظرني إلى يوم يبعثون) وقال الداودي: معنى قوله " ليعزم المسألة " أن يجتهد ويلح ولا يقل إن شئت كالمستثنى، ولكن دعاء البائس الفقير. قلت: وكأنه أشار بقوله كالمستثنى إلى أنه إذا قالها على سبيل التبرك لا يكره وهو جيد. *3* الشرح: قوله (باب يستجاب للعبد) أي إذا دعا (ما لم يعجل) والتعبير بالعبد وقع في رواية أبي إدريس كما سأنبه عليه. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي الشرح: قوله (عن أبي عبيد) هو سعد بن عبيد. قوله (مولى ابن أزهر) اسمه عبد الرحمن. قوله (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل) أي يجاب دعاؤه. وقد تقدم بيان ذلك في التفسير في قوله تعالى قوله (يقول دعوت فلم يستجب لي) في رواية غير أبي ذر " فيقول " بزيادة فاء واللام منصوبة، قال ابن بطال: المعنى أنه يسأم فيترك الدعاء فيكون كالمان بدعائه، أو أنه أتى من الدعاء ما يستحق به الإجابة فيصير كالمبخل للرب الكريم الذي لا تعجزه الإجابة ولا ينقصه العطاء. وقد وقع في رواية أبي إدريس الخولاني عن أبي هريرة عند مسلم والترمذي " لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، وما لم يستعجل. قيل: وما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء " ومعنى قوله يستحسر وهو بمهملات ينقطع. وفي هذا الحديث أدب من آداب الدعاء، وهو أنه يلازم الطلب ولا ييأس من الإجابة لما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار، حتى قال بعض السلف لأنا أشد خشية أن أحرم الدعاء من أن أحرم الإجابة، وكأنه أشار إلى حديث ابن عمر رفعه " من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة " الحديث أخرجه الترمذي بسند لين وصححه الحاكم فوهم، قال الداودي: يخشى على من خالف وقال قد دعوت فلم يستجب لي أن يحرم الإجابة وما قام مقامها من الادخار والتكفير انتهى. وقد قدمت في أول كتاب الدعاء الأحاديث الدالة على أن دعوة المؤمن لا ترد، وأنها إما أن تعجل له الإجابة، وإما أن تدفع عنه من السوء مثلها، وإما أن يدخر له في الآخرة خير مما سأل. فأشار الداودي إلى ذلك، وإلى ذلك أشار ابن الجوزي بقوله: أعلم أن دعاء المؤمن لا يرد، غير أنه قد يكون الأولى له تأخير الإجابة أو يعوض بما هو أولى له عاجلا أو آجلا، فينبغي للمؤمن أن لا يترك الطلب من ربه فإنه متعبد بالدعاء كما هو متعبد بالتسليم والتفويض. ومن جملة آداب الدعاء تحرى الأوقات الفاضلة كالسجود، وعند الأذان، ومنها تقديم الوضوء والصلاة، واستقبال القبلة، ورفع اليدين، وتقديم التوبة، والاعتراف بالذنب، والإخلاص، وافتتاحه بالحمد والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والسؤال بالأسماء الحسنى، وأدلة ذلك ذكرت في هذا الكتاب. وقال الكرماني ما ملخصه: الذي يتصور في الإجابة وعدمها أربع صور: الأولى عدم العجلة وعدم القول المذكور، الثانية وجودهما، الثالثة والرابعة عدم أحدهما ووجود الآخر، فدل الخير على أن الإجابة تختص بالصورة الأولى دون ثلاث، قال: ودل الحديث على أن مطلق قوله تعالى قلت: وقد أول الحديث المشار إليه قبل على أن المراد بالإجابة ما هو أعم من تحصيل المطلوب بعينه أو ما يقوم مقامه ويزيد عليه، والله أعلم. *3* وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ الْأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَشَرِيكٍ سَمِعَا أَنَسًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ الشرح: قوله (باب رفع الأيدي في الدعاء) أي على صفة خاصة، وسقط لفظ " باب " لأبي ذر. قوله (وقال أبو موسى) هو الأشعري (دعا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رفع يديه ورأيت بياض إبطيه) هذا طرف من حديثه الطويل في قصة قتل عمه أبي عامر الأشعري، وقد تقدم موصولا في المغازي في غزوة حنين، وأشرت إليه قبل بثلاثة أبواب في " باب قول الله تعالى وصل عليهم". قوله (وقال ابن عمر رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم إني أبرأ إليه مما صنع خالد) وهذا طرف من قصة غزوة بني جذيمة بجيم ومعجمة وزن عظيمة، وقد تقدم موصولا مع شرحه في المغازي بعد غزوة الفتح، وخالد المذكور هو ابن الوليد. قوله (وقال الأويسي) هو عبد العزيز بن عبد الله، ومحمد بن جعفر أي ابن أبي كثير، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري. وهذا طرف أيضا من حديث أنس في الاستسقاء وقد تقدم هناك بهذا السند معلقا، ووصله أبو نعيم من رواية أبي زرعة الرازي قال حدثنا الأويسي به، وأورد البخاري قصة الاستسقاء مطولة من رواية شريك بن أبي نمر وحده عن أنس من طرق في بعضها " ورفع يديه " وليس في شيء منها " حتى رأيت بياض إبطيه " إلا هذا. وفي الحديث الأول رد من قال لا يرفع كذا إلا في الاستسقاء، بل فيه وفي الذي بعده رد على من قال لا يرفع اليدين في الدعاء غير الاستسقاء أصلا، وتمسك بحديث أنس " لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء " وهو صحيح، لكن جمع بينه وبين أحاديث الباب وما في معناها بأن المنفي صفة خاصة لا أصل الرفع وقد أشرت إلى ذلك في أبواب الاستسقاء، وحاصله أن الرفع في الاستسقاء يخالف غيره إما بالمبالغة إلى أن تصير اليدان في حذو الوجه مثلا وفي الدعاء إلى حذو المنكبين، ولا يعكر على ذلك أنه ثبت في كل منهما " حتى يرى بياض إبطيه " بل يجمع بأن تكون رؤية البياض في الاستسقاء أبلغ منها في غيره، وإما أن الكفين في الاستسقاء يليان الأرض وفي الدعاء يليان السماء، قال المنذري: وبتقدير تعذر الجمع فجانب الإثبات أرجح. قلت: ولا سيما مع كثرة الأحاديث الواردة في ذلك، فإن فيه أحاديث كثيرة أفردها المنذري في جزء سرد منها النووي في " الأذكار " وفي " شرح المهذب " حملة. وعقد لها البخاري أيضا في " الأدب المفرد " بابا ذكر فيه حديث أبي هريرة " قدم الطفيل بن عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن دوسا عصت فادع الله عليها، فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال: اللهم اهد دوسا " وهو في الصحيحين دون قوله " ورفع يديه " وحديث جابر " أن الطفيل بن عمرو هاجر " فذكر قصة الرجل الذي هاجر معه وفيه " فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم وليديه فاغفر ورفع يديه " وسنده صحيح، وأخرجه مسلم. وحديث عائشة أنها " رأت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو رافعا يديه يقول: اللهم إنما أنا بشر " الحديث وهو صحيح الإسناد. ومن الأحاديث الصحيحة في ذلك ما أخرجه المصنف في " جزء رفع اليدين ": " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رافعا يديه يدعو لعثمان " ولمسلم من حديث عبد الرحمن بن سمرة في قصة الكسوف " فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو رافع يديه يدعو " وعنده في حديث عائشة في الكسوف أيضا " ثم رفع يديه يدعو " وفي حديثها عنده في دعائه لأهل البقيع " فرفع يديه ثلاث مرات " الحديث. ومن حديث أبي هريرة الطويل في فتح مكة " فرفع يديه وجعل يدعو " وفي الصحيحين من حديث أبي حميد في قصة ابن اللتبية " ثم رفع يديه حتى رأيت عفرة إبطيه يقول: اللهم هل بلغت " ومن حديث عبد الله بن عمرو " أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قول إبراهيم وعيسى فرفع يديه وقال: اللهم أمتي " وفي حديث عمر " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل، فأنزل الله عليه يوما، ثم سرى عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه ودعا " الحديث أخرجه الترمذي واللفظ له والنسائي والحاكم، وفي حديث أسامة " كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فرفع يديه يدعو، فمالت به ناقته فسقط خطامها، فتناوله بيده وهو رافع اليد الأخرى " أخرجه النسائي بسند جيد، وفي حديث قيس بن سعد عند أبي داود " ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وهو يقول: اللهم صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة " الحديث وسنده جيد. والأحاديث في ذلك كثيرة: وأما ما أخرجه مسلم من حديث عمارة بن رويبة براء وموحدة مصغر أنه " رأى بشر بن مروان يرفع يديه، فأنكر ذلك وقال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يزيد على هذا يشير بالسبابة " فقد حكى الطبري عن بعض السلف أنه أخذ بظاهره وقال: السنة أن الداعي يشير بإصبع واحدة، ورده بأنه إنما ورد في الخطيب حال الخطبة، وهو ظاهر في سياق الحديث فلا معنى للتمسك به في منع رفع اليدين في الدعاء مع ثبوت الأخبار بمشروعيتها، وقد أخرج أبو داود والترمذي وحسنه وغيرهما من حديث سلمان رفعه " إن ربكم حي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا " بكسر المهملة وسكون الفاء أي خالية وسنده جيد، قال الطبري: وكره رفع اليدين في الدعاء ابن عمر وجبير بن مطعم، ورأى شريح رجلا يرفع يديه داعيا فقال: من تتناول بهما لا أم لك؟ وساق الطبري ذلك بأسانيده عنهم. وذكر ابن التين عن عبد الله بن عمر بن غانم أنه نقل عن مالك أن رفع اليدين في الدعاء ليس من أمر الفقهاء، قال: وقال في " المدونة " ويختص الرفع بالاستسقاء ويجعل بطونهما إلى الأرض. وأما ما نقله الطبري عن ابن عمر فإنما أنكر رفعهما إلى حذو المنكبين وقال: ليجعلهما حذو صدره، كذلك أسنده الطبري عنه أيضا. وعن ابن عباس أن هذه صفة الدعاء. وأخرج أبو داود والحاكم عنه من وجه آخر قال: المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك، والاستغفار أن تشير بإصبع واحدة، والابتهال أن تمد يديك جميعا. وأخرج الطبري من وجه آخر عنه قال: يرفع يديه حتى يجاوز بهما رأسه. وقد صح عن ابن عمر خلاف ما تقدم أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " من طريق القاسم بن محمد " رأيت ابن عمر يدعو عند القاص يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه باطنهما مما يليه وظاهرهما مما يلي وجهه". *3* الشرح: قوله (باب الدعاء غير مستقبل القبلة) ذكر فيه حديث قتادة عن أنس " بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقام جل فقال: يا رسول الله ادع الله أن يسقينا " الحديث. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا فَتَغَيَّمَتْ السَّمَاءُ وَمُطِرْنَا حَتَّى مَا كَادَ الرَّجُلُ يَصِلُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَلَمْ تَزَلْ تُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنَّا فَقَدْ غَرِقْنَا فَقَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا فَجَعَلَ السَّحَابُ يَتَقَطَّعُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَلَا يُمْطِرُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ الشرح: حديث قتادة عن أنس " بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقام جل فقال: يا رسول الله ادع الله أن يسقينا " الحديث وفيه " فقام ذلك الرجل أو غيره فقال: ادع الله أن يصرف عنا فقد غرقنا، فقال: اللهم حوالينا ولا علينا " الحديث، وقد تقدم شرحه في الاستسقاء، وفي بعض طرقه في الأول " فقال: اللهم اسقنا " ووجه أخذه من الترجمة من جهة أن الخطيب من شأنه أن يستدبر القبلة، وأنه لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم لما دعا في المرتين استدار، وقد تقدم في الاستسقاء من طريق إسحاق بن أبي طلحة عن أنس في هذه القصة في آخره " ولم يذكر أنه حول رداءه، ولا استقبل القبلة". *3* الشرح: قوله (باب الدعاء مستقبل القبلة) ذكر فيه حديث عبد الله بن زيد قال " خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يستسقى فدعا واستسقى، ثم استقبل القبلة وقلب رداءه". الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَذَا الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي فَدَعَا وَاسْتَسْقَى ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَقَلَبَ رِدَاءَهُ الشرح: حديث عبد الله بن زيد قال " خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يستسقى فدعا واستسقى، ثم استقبل القبلة وقلب رداءه " قال الإسماعيلي هذا الحديث مطابق للترجمة التي قبل هذا، يريد أنه قدم الدعاء قبل الاستسقاء، ثم قال: لكن لعل البخاري أراد أنه لما تحول وقلب رداءه دعا حينئذ أيضا، قلت: وهو كذلك، فأشار كعادته إلى ما ورد في بعض طرق الحديث، وقد مضى في الاستسقاء من هذا الوجه بلفظ " وأنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة وحول رداءه " وترجم له " استقبال القبلة في الدعاء " والجمع بينه وبين حديث أنس أن القصة التي في حديث أنس كانت في خطبة الجمعة بالمسجد، والقصة التي في حديث عبد الله بن زيد كانت بالمصلى، وقد سقطت هذه الترجمة من رواية أبي زيد المروزي فصار حديثها من جملة الباب الذي قبله، ويسقط بذلك اعتراض الإسماعيلي من أصله. وقد ورد في استقبال القبلة في الدعاء من فعل النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث: منها حديث عمر عند الترمذي وقد قدمته في " باب رفع اليدين في الدعاء " ولمسلم والترمذي من حديث ابن عباس عن عمر " لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين فاستقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه " الحديث، وفي حديث ابن مسعود " استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة فدعا على نفر من قريش " الحديث متفق عليه، وفي حديث عبد الرحمن بن طارق عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جاز مكانا من دار يعلى استقبل القبلة فدعا " أخرجه أبو داود والنسائي واللفظ له، وفي حديث ابن مسعود " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبر عبد الله ذي النجادين " الحديث وفيه " فلما فرغ من دفنه استقبل القبلة رافعا يديه " أخرجه أبو عوانة في صحيحه. *3* الشرح: قوله (باب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه بطول العمر وبكثرة ماله) ذكر فيه حديث أنس " قالت أمي يا رسول الله خادمك أدع الله له، قال: اللهم أكثر ماله وولده " الحديث. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَتْ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ خَادِمُكَ أَنَسٌ ادْعُ اللَّهَ لَهُ قَالَ اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ الشرح: حديث أنس " قالت أمي يا رسول الله خادمك أدع الله له، قال: اللهم أكثر ماله وولده " الحديث. وقد مضى قريبا، وذكره في عدة أبواب. وليس في شيء منها ذكر العمر، فقال بعض الشراح: مطابقة الحديث للترجمة أن الدعاء بكثرة الولد يستلزم حصول طول العمر، وتعقب بأنه لا ملازمة بينهما إلا بنوع من المجاز بأن يراد أن كثرة الولد في العادة تستدعي بقاء ذكر الولد ما بقي أولاده، فكأنه حي. والأولى في الجواب أنه أشار كعادته إلى ما ورد في بعض طرقه، فأخرج في " الأدب المفرد " من وجه آخر عن أنس قال " قالت أم سليم - وهي أم أنس - خويدمك ألا تدعو له؟ فقال: اللهم أكثر ماله وولده وأطل حياته واغفر له " فأما كثرة ولد أنس وماله فوقع عند مسلم في آخر هذا الحديث من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس " قال أنس: فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم"، وتقدم في حديث " الطاعون شهادة لكل مسلم " في كتاب الطب قول أنس " أخبرتني ابنتي أمينة أنه دفن من صلبي إلى يوم مقدم الحجاج البصرة مائة وعشرون " وقال النووي في ترجمته: كان أكثر الصحابة أولادا. وقد قال ابن قتيبة في " المعارف ": كان بالبصرة ثلاثة ما ماتوا حتى رأى كل واحد منهم من ولده مائة ذكر لصلبه: أبو بكرة وأنس وخليفة بن بدر، وزاد غيره رابعا وهو المهلب بن أبي صفرة. وأخرج الترمذي عن أبي العالية في ذكر أنس: وكان له بستان يأتي في كل سنة الفاكهة مرتين، وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك، ورجاله ثقات. وأما طول عمر أنس فقد ثبت في الصحيح أنه كان في الهجرة ابن تسع سنين وكانت وفاته سنة إحدى وتسعين فيما قيل وقيل سنة ثلاث وله مائة وثلاث سنين قاله خليفة وهو المعتمد، وأكثر ما قيل في سنه أنه بلغ مائة وسبع سنين، وأقل ما قيل فيه تسعا وتسعين سنة.
|